الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
هل “تجميد الأمل” هو وعد طبي أم استثمار تجاري؟
من يُسائل العيادات عند التلف أو التسريب أو إساءة الاستخدام؟
و من يتحمّل تكلفة التعويض المالي والضرر المعنوي؟ وهل التأمين يغطي خسائر السمعة؟
في ظل تصاعد مشاريع الخصخصة في قطاع الطب الإنجابي في الوطن العربي، لم يعد تجميد البويضات مجرد إجراء طبي شخصي، بل أصبح أحد أبرز نماذج الاستثمار الطبي عالي الربحية . تقاطعت فيه مصالح السوق، والابتكار التقني، والجسد الأنثوي، ما يفتح الباب لتساؤلات ملحّة حول جدوى الحوكمة، وشفافية العقود، واستدامة الثقة بين المريض والمركز الطبي. و في تقرير مُنفصل صادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، تم التوصل إلى أن 40% من مراكز تجميد البويضات في الدول الغربية المُتقدمة تعاني من ضعف في الشفافية القانونية، الأمر الذي يفاقم المخاطر الأخلاقية والقانونية المرتبطة بهذه الإجراءات.
فمن يضمن حفظ البويضات المجمدة؟ هل تضمن العقود حق المرأة في استرداد خلاياها أم تحفظ فقط مصالح العيادة والمستشفى؟ ماذا يحدث لو تسرّبت هذه البويضات إلى سوق الخصوبة العالمية؟ هل هناك ضمانات تحمي المستثمرين من المخاطر المالية والسمعة السيئة الناجمة عن أي أخطاء أو تسريبات؟ وكيف يتم التعامل مع الاستخدام التجاري للبويضات دون علم صاحباتها؟ ومن يتحمل المسؤولية القانونية والمالية في حال وقوع أي انتهاكات؟
وفي هذا السياق، يبرز التنظيم القانوني، إلى جانب المساءلة الصارمة وتفعيل آليات الحوكمة، كضرورة استراتيجية لضمان الثقة في بيئة الاستثمار الطبي، وتحفيز نمو الخصخصة بشكل مُستدام يوازن بين الربحية والمسؤولية الاجتماعية.
تجميد البويضات: خيار طبي أم خدمة سوقية؟
في السنوات الأخيرة، توسعت خدمات تجميد البويضات في المستشفيات والمراكز الخاصة، خاصة مع ارتفاع عدد النساء الراغبات في تأجيل الحمل لأسباب مهنية أو اجتماعية أو صحية. تقدم العيادات هذا الإجراء على أنه “ضمان للمستقبل”، لكن الواقع أكثر تعقيدًا.
تجميد البويضات يتطلب تدخلًا طبيًا عالي التقنية، وتخزينًا طويل الأمد في بنوك متخصصة. هذا التخزين لا يخلو من التحديات: الكهرباء، درجات الحرارة الدقيقة، السلامة البيولوجية، وحتى… العقود.
في كثير من الحالات، تُصاغ العقود بطريقة تحمي المستشفى من المسؤولية القانونية، في حين لا تضمن للمرأة أكثر من “محاولة” للحفاظ على بويضاتها. وعند حدوث الخطأ، لا يكون هناك تعويض معنوي أو أخلاقي، بل مجرد بند مكتوب بإخلاء المسؤولية.
التأمين على البويضات: حقيقة أم خدعة تسويقية؟
بعض المراكز تعرض ما يسمى “تأمينًا على البويضات”، لكن هذا التأمين غالبًا لا يشمل سيناريوهات الاستخدام غير المشروع أو التسريب. بل يقتصر على تعويض مالي محدود في حال الفقد، ولا يعالج الانتهاك الأخلاقي المتمثل في استخدام البويضات في تجارب سريرية، أو تلقيحها دون إذن، أو حتى بيعها إلى أطراف ثالثة وكل هذا وارد في ظل ضعف الحوكمة.
مخاطر صامتة ومسؤولية معلّقة: هل من ضمان؟
رغم أن الطب الإنجابي يتطلب أعلى درجات التنظيم، إلا أن بعض الدول العربية، لا تملك قوانين واضحة ومُلزمة بخصوص ملكية البويضات المجمدة، أو حقوق المرأة بعد التجميد، أو مدى شرعية استخدام الخلايا التناسلية في أغراض أخرى.
حتى في بعض الدول الغربية ، تبرز مشكلات قانونية شائكة، خاصة في حالات الطلاق، أو وفاة المرأة، أو التبرع المُسبق. فكيف سيكون الحال في بيئات أقل شفافية وأكثر خضوعًا لخصخصة لا تخضع للحوكمة الصارمة؟
بين الإعلانات والحقائق: كشف الغموض حول تجميد البويضات وسوق الخصوبة العالمية
خلف الإعلانات اللامعة، و الترويج الممنهج “لتحفيز المرأة” على تجميد بويضاتها باسم “حرية الإنجاب” و“التمكين الجسدي”، تنمو سوق خصوبة تُقدَّر بمليارات الدولارات، تتحرك فيها البويضات كأصول بيولوجية قابلة للتجميد، التخزين، النقل، التخصيب، بل وأحيانًا البيع أو التبادل العابر للحدود.
في هذه السوق، تُسَوَّق خدمات التجميد وكأنها خدمة مستقبلية راقية، بينما يتم تشجيع النساء للتوقيع على عقود طويلة، مُحكمة الصياغة قانونيًا، لكنها فعليًا تُبرئ المؤسسات من المسؤولية. وعند الخطأ أو الإهمال.
لسد الفجوة بين الممارسة والتنظيم: حوكمة مسؤولة وتوصيات مُلحّة
اولاً: صياغة تشريعات واضحة لتنظيم عمليات تجميد البويضات
ثانياً: فرض رقابة حقيقية على العقود الطبية
ثالثاً: إنشاء جهة رقابية مستقلة أو لجنة حوكمة وطنية
رابعاً: إلزام المراكز الطبية بتوفير تأمين حقيقي وشفاف
خامساً: حماية البيانات البيولوجية والخصوصية
سادساً: ضمان الحقوق التعاقدية بشفافية كاملة وتحديثات دورية
المساءلة هنا ضبابية، والحوكمة الطبية إما غائبة أو شكلية، والنتيجة: خدمات ربحية تُغلّفها لغة طبية، لكنها تنطوي على مخاطر شخصية وحقوقية بالغة، غالبًا بلا حماية فعلية.
بنود موحّدة مقترح يُدرج ضمن التوصيات:
و أوصي بأن يتم إرسال تحديث دوري (ربع سنوي أو سنوي) إلى المريضة يتضمن تقريرًا طبيًا مفصلًا عن حالة التخزين، وأي تغيير في وضع البويضات، أو السياسات، أو التعاقدات المتعلقة بها، ويكون ذلك إلزاميًا بموجب العقد.
ختاماً، لم تعد حماية حقوق النساء في تجميد البويضات ترفًا قانونيًا أو إجراءً إداريًا ثانويًا. في بيئة تشهد وعيًا متزايدًا، وقوانين قادمة لا محالة، فإن المستشفيات والمراكز الطبية التي لا تبادر إلى فرض سياسات صارمة لحوكمة الطب الإنجابي، تُعرض نفسها لمخاطر لا تقتصر على الدعوى القضائية فقط، بل تمتد إلى الخسارة الأكبر: السٌمعة والثقة.
دعوى قضائية واحدة من مريضة أُسيء التعامل مع بويضاتها قد تفتح بابًا لتحقيقات تنظيمية وإعلامية تُفضي إلى غرامات ضخمة، تعليقات تراخيص، أو حتى الإغلاق . والمجال الطبي، بطبيعته، لا يتسامح مع الشكوك حول النزاهة.
لهذا، يجب أن تتحرك المؤسسات الطبية من الآن ليس فقط لحماية النساء، بل أيضًا لحماية نفسها من مخاطر قانونية ومالية لا تُقدر بثمن.السُمعة في القطاع الصحي تُبنى على الثقة، والثقة لا تُبنى إلا على الحوكمة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال