الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
حين انطلقت رؤية المملكة 2030، لم تكن مجرد خطة تنموية أو حزمة مشاريع حكومية، بل كانت إعلانًا صريحًا بأن المواطن سيكون محور التنمية وغايتها من خلال محورها مجتمع حيوي. حيث تبنت الدولة مفهوم “التمكين” بمعناه العميق، حيث لا يقتصر على الدعم، بل يشمل بناء القدرات، وتعزيز الجاهزية، وتوفير الأدوات اللازمة للانطلاق نحو المستقبل بكفاءة وفعالية..
من خلال عملي الأكاديمي في الجامعة، وتجربتي الاستشارية مع عدد من الوزارات والهيئات الوطنية، لمستُ عن قرب حجم التحول في طريقة التفكير المؤسسي من التحول من المعارف الى المهارات وبناء القدرات. لم يعد الطموح مرتبطًا بالحد الأدنى، بل أصبح سقفه مفتوحًا، والسبب يعود إلى رجل الطموح الأول، سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حين قال: “طموحنا عنان السماء”. لم تكن هذه الكلمات مجرد مقولة ملهمة، بل أصبحت إطارًا ذهنيًا تُبنى عليه السياسات وتُعاد من خلاله صياغة الطموحات.
وها نحن اليوم نرى ثمار هذا التوجه في ما اخرجه تقرير برنامج تنمية القدرات البشرية لعام 2024، والذي وثّق مجموعة من الإنجازات التي تعكس عمق العمل الاستراتيجي. ففي عام واحد فقط، تجاوز عدد الفرص التدريبية المقدمة للمواطنين مليونًا وثلاثمئة ألف فرصة، ضمن مبادرة “وعد” التي تهدف إلى ربط التدريب باحتياجات سوق العمل. وهذا رقم ليس مجرد إنجاز كمي، بل هو مؤشر على تفعيل أدوات التمكين في الميدان، وتعزيز دور القطاع الخاص في تطوير القدرات الوطنية.
ولم يكن التدريب وحده هو محور الجهد، بل جاءت الشراكات الأكاديمية العالمية لتكمل المسار. فقد تم توقيع اتفاقيات مع جامعات مرموقة مثل جامعة أريزونا وكلية لندن للاعمال، وأُطلقت مبادرات مبتكرة مثل الدرجات العلمية متعددة التخصصات، ومنصة MicroX، لتقديم برامج قصيرة مرنة تستهدف المهارات المستقبلية. واللافت أن هذه المبادرات لم تعد حكرًا على نخبة محددة، بل أصبحت متاحة للآلاف من الشباب في مختلف المناطق.
أما على مستوى الأثر، فإن الأرقام تتحدث بوضوح. ارتفعت نسبة الالتحاق برياض الأطفال إلى 36.7%، بعدما كانت 21% فقط في 2019. ووصلت نسبة الطلاب ذوي الإعاقة الملتحقين بالتعليم إلى أكثر من 73%، بعد أن كانت 42% في عام 2020. كما ارتفعت نسبة الخريجين الذين التحقوا بسوق العمل خلال ستة أشهر من التخرج إلى 44.4%، في حين كانت لا تتجاوز 13.3% قبل خمس سنوات. حتى متوسط التدريب الميداني ارتفع إلى 91 يومًا، بعدما كان 41 يومًا فقط في السابق. هذه النتائج لم تأتِ صدفة، بل هي نتاج تراكم من العمل المؤسسي والتخطيط القائم على البيانات والشراكات.
كل ذلك يقودنا إلى حقيقة واحدة: التمكين ليس قرارًا تنظيميًا فحسب، بل هو ثقافة يتم ترسيخها في كل مفصل من مفاصل الدولة. والجميل في التجربة السعودية أن هذه الثقافة لم تظل حبيسة النخب أو المؤسسات الكبرى، بل امتدت لتصبح سلوكًا مجتمعيًا. وقد نرى اليوم الطالب والطالبة يتحدثان عن “الجاهزية لسوق العمل” كما يتحدثان عن التخرج، ونرى الجهات الحكومية تتسابق في قياس الأثر لا في عدد المبادرات.
في النهاية، من الرؤية إلى التمكين، ومن المبادرة إلى التأثير، تمضي المملكة في مسارها بثقة. لم تكتفِ بالتقليد أو الاستنساخ، بل بنت نموذجها الخاص في بناء الإنسان. نموذج يصنع من المواطن منافسًا، ومن الطموح واقعًا، ومن الاستراتيجية مستقبلًا ملموسًا.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال