الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
من يوقع العقود في الأندية؟ من يراجعها قانونيًا؟ من يربط المكافآت بالأداء؟ من يُحاسب إن صُرفت أموال لم تُستحق؟
وهل تلتزم الأندية بمعايير الشفافية والمساءلة، أم أن المال العام يذوب في مستندات “موقعة” دون رقابة أو معايير تقييم؟ هل نعيش حالة من “الإفلات المؤسسي” من الالتزام، بحجة الرياضة؟
في ظلّ تضخم ميزانيات الأندية الرياضية وتزايد التدفقات المالية من الدعم الحكومي والرعاة، يظهر سؤال الحوكمة الفعلية كأحد أهم مرتكزات النزاهة المؤسسية، خاصة عند الحديث عن العقود والمكافآت والحوافز.
دعم مالي ضخم… فأين أدوات الحوكمة والرقابة؟
تضخّمت التدفقات المالية في القطاع الرياضي، خصوصًا مع التوسع الاستثماري والدعم الحكومي المباشر للأندية والاتحادات، مما يرفع منسوب المسؤولية المؤسسية تجاه الحوكمة القانونية والرقابة على الصرف.
تشير تقارير من “Saudi Sports Consulting” إلى أن قيمة سوق الرياضة السعودية تضاعفت من نحو 1.3 مليار دولار في 2016 إلى 8.5 مليار دولار في 2025، مع توقعات وصولها إلى 22.4 مليار دولار بحلول 2030 Saudi Sports Consulting، 2024.
أما الدعم الحكومي المباشر للأندية، فقد بلغ في موسم 2024–2025 نحو 453 مليون دولار، شملت مبالغ لدعم دوري المحترفين وتطوير الحوكمة الرقمية Arab News، 2024.
بالإضافة إلى ذلك، خصصت اللجنة الأولمبية السعودية نحو 694 مليون دولار لدعم الاتحادات الرياضية ضمن رؤية استراتيجية لتعزيز الأداء الرياضي وتنمية القدرات OCA Asia ، 2024
في المقابل، تُصرف ملايين الريالات كمكافآت، بعضها دون ربط موثق بالأداء أو وجود مراجعة قانونية دقيقة.
من الناحية القانونية، يُفترض أن تُرافق هذه الميزانيات الضخمة:
لكن الواقع يكشف فجوة بين حجم التمويل وحجم الرقابة، مما يعزز مخاطر الهدر المالي، وتضارب المصالح، وضعف المساءلة، وهو ما يهدد نزاهة المؤسسات الرياضية ومستقبلها القانوني.
مراجعة العقود – غياب الضوابط أم تغييب الخبرة؟
طبقًا لمعايير الأيزو ISO 37301 للأمتثال المؤوسسي، و ISO 37001 الخاصة بمكافحة الفساد، فإن المنظمات – ومنها الأندية – ملزمة بوضع سياسات مراجعة تعاقدية واضحة، تشمل مسؤولية قانونية جماعية ووجود لجنة مختصة بمراجعة العقود من النواحي التالية:
لكن الواقع؟
في عدد من الأندية، يتم توقيع العقود من قِبل رئيس أو مسؤول تنفيذي دون مراجعة قانونية داخلية مؤسسية. لا توجد لجان عقود، ولا لجان مخاطر، ولا حتى تدقيق قانوني مستقل. هذا يُعد خرقًا واضحًا لمبادئ الحوكمة المنصوص عليها في لائحة الحوكمة الرياضية، بل ويتعارض مع مبادئ اتفاقيات العقود الدولية مثل UNIDROIT Principles وFIDIC.
الحوافز والمكافآت – أداء أم مجاملة؟
المكافآت يجب أن تُصرف بناءً على مؤشرات أداء KPI واضحة، لا على أساس الانتماء أو الضغط الجماهيري أو العلاقات الشخصية.
وفقًا لنظام الحوكمة الفعال، يجب أن تُربط الحوافز بـ:
لكن ما نراه هو صرف ملايين الريالات تحت بند “مكافأة” دون تحقيق الأداء المشروط، دون قرارات موثقة، دون وجود محاضر رسمية للجنة مختصة، مما يفتح الباب أمام شبهات الفساد المالي أو الهدر.
حالة مرجعية دولية: قضية Negreira – برشلونة والتحويلات المشبوهة
بين عامي 2001 و2018، دفع نادي برشلونة الإسباني أكثر من 8.4 مليون يورو لشركات مملوكة لـ José María Enríquez Negreira، نائب رئيس لجنة الحكام في الاتحاد الإسباني.
الدفعات، التي زُعم أنها مقابل “استشارات تحكيمية”، لم تُوثق بعقود واضحة، ولم تُربط بمخرجات أداء محددة، كما لم تمر عبر لجان تدقيق قانوني أو مالي داخلي.
رغم أن القضية أُحيلت إلى القضاء، وأسفرت عن توجيه تهم تشمل الفساد وخيانة الأمانة والتزوير ضد مسؤولين سابقين في النادي، فقد أُسقطت تهم “الرشوة” لاحقًا لأسباب تتعلق بالصفة القانونية للموظف المعني.
الخلاصة التحليلية:
“هل يمكن لنادٍ كبير أن يربح بطولات عبر نفق مظلم من الصفقات السرية؟”
في قضية Negreira، نرى كيف تتحرّك العقود السرية داخل أروقة الأندية الرياضية الكبرى، بعيدًا عن أعين الشفافية.
ما هو الدور الذي يلعبه المستشارون الخارجيون؟ أهي خدمات فنية؟ أم رشاوى تُقنع الحكام بالخدمة؟
وأين المسؤولية المؤسسية؟ وهل تكفي القوانين لتجفيف منابع المال المشبوه في الرياضة؟
غياب الحوكمة، وانعدام المراجعة، وسوء توثيق الأداء، فتح الباب أمام أحد أخطر ملفات الفساد المالي في تاريخ كرة القدم الأوروبية.
توصيات قانونية وحوكمية لاكتشاف فساد العقود في الأندية
أولاً: منع الفساد قبل وقوعه – أدوات الحوكمة الوقائية
اكتشاف الفساد بعد وقوعه – أدوات التدقيق والكشف
خاتمة: من يُحاسب؟… ومتى تبدأ مسؤوليتنا الوطنية؟
حين تُصرف المكافآت دون تحقيق الأداء، وتُوقع العقود دون مراجعة قانونية دقيقة، لا تكون المسؤولية فقط على من وضع توقيعه، بل تمتد إلى كل من غاب عنه الواجب الوطني في بناء نظام حوكمة فعال.
الإدارة التنفيذية، الهيئات الإشرافية، الجهات الرقابية، وكل مؤسسات الدولة المعنية بالرياضة، كلها ملزمة بمسؤولية مشتركة لا تقبل التفريط أو التهاون. فغياب الشفافية والمساءلة لا يضر فقط بالنادي، بل يهدر موارد وطنية ثمينة، ويهدد سمعة الرياضة الوطنية ككل.
إن بناء مؤسسات رياضية متطورة ومتوافقة مع أفضل المعايير الدولية ISO 37301 وISO 37001 هو استثمار في مستقبل الوطن، ودرع يحمي المال العام، ويضمن استدامة التنمية الرياضية كرافد أساسي من روافد النهضة الوطنية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال