الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
قد يتبادر إلى ذهن القارئ أني سأتحدث هنا عن تلك المسرحية التي بدأ عرضها على مسرح الفن في القاهرة قبل حوالي خمسين عاماً. وهذا غير صحيح، بالرغم من وجود بعض التشابه بين مقالي وواقع المسرحية. فهذه المقالة تتحدث عما يعرض الآن على مسرح فن آخر. لكل منهما جمهور، ولكن جمهور تلك المسرحية أتى ليضحك بينما الجمهور الذي أتحدث عنه في هذه المقالة هم من تذهب إليهم الشركات ليشتروا. أما التشابه الأكبر فهو في بطل القصتين “سرحان عبد البصير”. أتحدث في هذه المقالة عن مفهوم الفاقد الإعلاني. فالشركات تنفق الملايين من أجل إنتاج وإيصال رسائلها الاتصالية إلى عميل قد يبصر الإعلانات ولكنه سرحان عنها.
تشير التقديرات إلى أن ما بين 25%- 40% مما صرف على الإعلانات الرقمية عالمياً في عام 2023 قد ذهب هدراً دون عائد حقيقي على الشركات. نحن نتحدث هنا عن حوالي 200 مليار دولار في عام 2023 فقط. ولعل قطاع الـ FMCG هو الأعلى في الفاقد الإعلاني إذ يصل الفاقد فيه إلى 58%. أما بالنسبة للإعلانات التليفزيونية، فإن 80% من الشركات تقوم بنفقات إعلان تفوق العائد الهامشي ولم تتجاوز نسبة الرضا عن العائد على الاستثمار الإعلاني 35%. وفي السوق السعودي فنحن نتحدث عن فاقد إعلاني يصل إلى مليار دولار من سوق حجمه 6.2 مليار دولار لعام 2024 حسب تقرير IMARC.
يشاهد العميل في المتوسط 100 إعلان مباشر يومياً (يتذكر منها بحد أقصى 5 إعلانات) بينما مجموع التعرض التسويقي للعلامات التجارية ومنتجات الشركات بشكل مباشر وغير مباشر فهو ما بين 4,000 إلى 10,000 تعرض يومياً. وهذا هو الذي يؤدي بنا إلى ما يسمى بالإرهاق الإعلاني Ad Fatigue وبالتالي قلة التجاوب مع الإعلانات بشكل عام والذي أصبح مشاهداً بشكل واضح على معدلات الـ Click Through Rate أو ما يعرف بـال CTR. ومع مرور الوقت، يصل بنا الحال إلى مرحلة العمى الإعلاني Ad Blindness أي أن عميلنا سرحان عبد البصير يشاهد الإعلان ولكنه في الحقيقة مشاهد ماشفش حاجة. فالإرهاق الإعلاني و العمى الإعلاني يجعلان العميل سرحان سرحاناً مما لا يحقق أي مردود حقيقي على الإعلان.
دعني أخبرك لماذا؟
أحد أشهر النماذج في بناء الحملات الإعلانية هو نموذج AIDA (الانتباه – الاهتمام – الرغبة – الرسالة) وكما قالت أرجوزة التسويق في الفصل الثامن عشر حين تحدثت عن الإعلان وبعد ذكر أنواعه ودوافعه:
فهذه الأغراضُ العامَة العراضُ
تحقيقها يسيرُ بأربعٍ نسيرُ
بلفتِ الانتباهِ في كلِ إتجاهِ
نحركُ اهتماما لنكسبَ انسجاما
برغبةٍ مقتادةْ وحاجةٍ وقَّادةْ
واختِمْه بالرسالةْ جذابةً فعالةْ
فهذه الأركانُ الأربع الحسانُ
أتى بها (إلمو لِوِسْ) نموذجاً لمن درسْ
موسومـةً بـ “بإيدا” فكن لها مريدا
باختصار شديد حتى يأتي الإعلان ثماره يجب أن يجذب الانتباه ثم يحقق الاهتمام فيحرك الرغبة فيتنج الفعل من خلال الرسالة أو ما يعرف بـ CTA Call to Action. فبالتالي يصبح تعرض العميل سرحان إلى إعلانات الشركات لا يجذب انتباهه فبالمحصلة لن تتحقق إي من المخرجات اللاحقة. في الحقيقة، يمثل سرحان عبد البصير 67% من عملاء الشركات (العميل الذي لا ينتبه أو لا يهتم للإعلان) حسب دراسة أعدتها Dentsu.
دعني أخبرك حقيقة أخرى قد تهون عليك من هول هذه الأرقام. من الطبيعي أن لا يؤثر الإعلان على العميل عند مشاهدته لأول مرة، ففي الغالب يحتاج العميل إلى مشاهدة الإعلان 4 مرات حتى ينتج عنه الفعل (الشراء مثلاً). وتشير الاستطلاعات الحديثة أن هذا الرقم ارتفع مؤخراً ليعود مرة أخرى إلى 7 مرات (حيث كان هذا الرقم هو المعدل الطبيعي قبل طفرة الانترنت). وهذه النظرية تعرف ب قاعدة السبعة أو The Rule of 7 وقد تم نشرها عام 1930 م.
فرسالتي هنا أن الإعلان وظيفة مهمة وأساسية لنجاح الأعمال وهي كالوقود الذي يحرك المركبة وتحتاج له المركبات بشكل مستمر ولكن المخيف هو حجم الفاقد الكبير في الجهود التسويقية الذي لا يؤتي ثماره النهائية. وهنا أدعو العاملين في مجال الإعلاني ألا يكتفى بقياس الأثر الإعلاني بعدد المشاهدات بل نتعداه إلى الفعل فكم من مشاهد سرحان. إن زيادة عدد المشاهدات للإعلان حتى تحقق نتائجه يجب أن تكون مدروسة من خلال عمليات إعادة الاستهداف وليس بشكل عشوائي. فنحن نخشى من الوصول إلى الانزعاج الإعلانيAd Annoyance من العميل والذي يؤدي إلى أثر عكسي على العلامات التجارية. وسؤالي لك أيها المعلن، هل شاهد عميلك إعلاناتك وانتفعت من مشاهدته لها أم هو كـ “شاهد ماشفش حاجة”.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال