الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
البيئة الأكاديمية في الجامعات الناشئة بالمملكة العربية السعودية تمر بمرحلة دقيقة تحتاج إلى وقفة جادة تعيد ضبط المسار بما يتوافق مع طموحات الدولة وتوجهاتها الاقتصادية ورؤية السعودية 2030. ورغم التوسع اللافت في إنشاء الجامعات الجديدة إلا أن أحد أبرز التحديات التي تواجه هذه الجامعات يكمن في ضعف منظومة تأهيل أعضاء هيئة التدريس وغياب برامج التطوير الأكاديمي الفعلي الذي ينعكس على جودة التعليم والبحث العلمي في نهاية المطاف.
للأسف ما يحدث اليوم في كثير من الجامعات الناشئة بالمملكة أن بيئة العمل الأكاديمي أصبحت أشبه ما تكون بالمدارس التقليدية حيث تقتصر مهام عضو هيئة التدريس على تقديم المحاضرات فقط دون وجود برامج تدريبية متقدمة أو مختبرات أكاديمية متخصصة تصقل مهاراتهم وتنقلهم إلى مستوى أكاديمي أعمق وأكثر تأثيراً. في المقابل الجامعات العالمية المعروفة توفر ما لا يقل عن 500 ساعة تدريب متقدم تجمع بين المحاضرات الأكاديمية والمختبرات التفاعلية وورش المحاكاة بإشراف خبراء أكاديميين دوليين خصوصاً لأعضاء هيئة التدريس الجدد أو من يتم ترقيتهم وهذا هو المعيار العالمي لصناعة كفاءات أكاديمية قادرة على مواكبة التغيرات المتسارعة في المعرفة والاقتصاد.
أما في الجامعات الناشئة بالسعودية وخصوصاً في التخصصات الاستراتيجية مثل المالية والمحاسبة والاقتصاد نجد غياباً شبه تام لهذا النوع من التدريب حتى نجد الكثير من أعضاء هيئة التدريس ينخرطون في العملية التعليمية من دون المرور ببرامج تأهيل منهجية تضمن فهمهم لطرق التدريس الحديثة أو المهارات البحثية المتقدمة. هذا الضعف لا يرتبط فقط بالبرامج التدريبية لكن يمتد إلى غياب المؤتمرات والمنتديات العلمية المتخصصة التي من المفترض أن تخلق بيئة أكاديمية نشطة تتيح تبادل الأفكار والخبرات بين الأكاديميين في ذات التخصص داخل المملكة وخارجها.
ومن المؤسف أن العديد من الجامعات الناشئة لا توفر فرصاً حقيقية لتبادل الخبرات مع الجامعات الأخرى سواء على المستوى المحلي أو الدولي لكن نجد انغلاقاً أكاديمياً يحد من تطور الكادر التدريسي ويؤثر سلباً على جودة التعليم ومخرجات البحث العلمي. هذا الانغلاق يجعل البيئة الأكاديمية طاردة للكفاءات السعودية الشابة التي تبحث عن بيئة محفزة للتطور والنمو الأكاديمي ويحد كذلك من فرص جذب الكفاءات الدولية التي يمكن أن تساهم في رفع مستوى الجامعات الناشئة.
واقع الحال أن المملكة اليوم تدفع بقوة نحو تنويع مصادر الاقتصاد وتعزيز دور القطاعات المالية والتقنية والبحث العلمي كمحركات رئيسية للتنمية وهذا التوجه يستلزم وجود جامعات قادرة على إنتاج كوادر أكاديمية مؤهلة تواكب هذه الطموحات وتدعم الاقتصاد الوطني. لكن استمرار ضعف بيئة تأهيل أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الناشئة يهدد بخلق فجوة بين ما يحتاجه الاقتصاد السعودي من عقول وكفاءات وما تنتجه المؤسسات الأكاديمية من مخرجات محدودة التأهيل وضعيفة التأثير.
أخيراً لتجاوز هذا التحدي لا بد من تبني سياسات واضحة تستثمر في تطوير الكادر الأكاديمي بدءاً من توفير برامج تدريبية متقدمة تصل إلى 500 ساعة تدريب كما هو معمول به في المجال الطبي عالمياً حيث تجمع بين الجوانب النظرية والعملية ومروراً بتنظيم المؤتمرات والمنتديات التخصصية وانتهاءً بإطلاق برامج تبادل خبرات مع الجامعات المحلية والدولية الرائدة. بهذا فقط يمكن للجامعات الناشئة أن تتحول إلى بيئة أكاديمية جاذبة قادرة على تخريج كوادر وطنية متميزة تدعم تنافسية الاقتصاد السعودي وتواكب تطلعات الدولة نحو بناء اقتصاد معرفي متطور يضع المملكة في مصاف الدول المتقدمة علمياً واقتصادياً.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال