الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
الفساد إجمالا لا يميز بين بيئة حديثة أو تقليدية، فكل الأجهزة ليس بمنأى عن أيدي الممارسات الفاسدة الخفية فيما لديها من فرص اقتصادية في سلسلة مشاريعها، وشواغر وظيفية في بيئات عملها، ما لم يتم التأكد من مقومات الثقة وحمل الأمانة فيمن يوضع على هرم المسؤولية الإشرافية أو القيادة الإدارية والوظيفية فيها؛ فأمانة أيا من توسد له المسؤولية في أي جهة أو جهاز، والثقة في شخصه أيا كانت مسؤوليات منصبه أو درجته الوظيفية، أهم وأبقى من الإسراف في حوكمة المهام والأعمال، مع أهميتها بالتأكيد، وذلك لأن الاتكاء المستمر على متانة فاعلية الحوكمة في أي وقت وتحت أي ظرف دون اتخاذ خطوات مراجعة تصحيحية وتدابير تدقيق متواتره لتقييم الأداء وتحديد نقاط الضعف وضمان استمرار الالتزام بالأنظمة والسياسات، والأهم من ذلك إجراءات التدقيق الدوري لمبادئ النزاهة الشخصية وشروط الامتثال المؤسسية لها، لا يتماشى وعمل محددات الحوكمة الأساسية ومعاييرها وفق أفضل الممارسات، وذلك لأن الأمين يبقى أمين على ما وسد له من مسؤوليات وواجبات ولو ظهر خلال أدائه لمهامه فراغ نظامي أو فجوة إجرائية، أما غير الأمين فيمكن له استغلال سلطته لتقويض متانة أدوات الحوكمة وآلياتها، وفرض سطوته لتغيير مسار غاية محدداتها وتوظيف نفوذه لتحريف مسيرة عملها ومسار أهدافها، وقد رأينا ما سبق لنزاهة إعلانه من إيقاف الرئيس التنفيذي للهيئة الملكية لمحافظة العلا لتورطه بجرائم استغلال النفوذ في عقود ومشاريع الهيئة لتحقيق المنفعة الشخصية.
ولهذا نقول إن ديناميكية الممارسات الفاسدة الخفية خلافا للظاهر منها تعزى إلى سبب صعوبة اكتشافها لكن لا يعني ذلك عدم التجريم والعقاب عليها، لذا، المتوقع من الجهات المعنية بالمكافحة متى ما اتصل بعلمها نوع من قضايا الفساد الخفي، أن تتعامل معها حسب ما تتعامل مع حالات الفساد الظاهر التي تتضمن اعتداء مباشرا على المال العام كما في اختلاس المال العام، أو تتضمن الوجود المادي للمال كما في الرشوة المباشرة؛ فالفساد الخفي يتشكل من سلوكيات غير أخلاقية وأعمال غير قانونية بصورة مستترة وبطرق ملتوية، مثل استغلال النفوذ وإساءة استخدام السلطة بتقديم المنافع الخاصة عند منح العقود والمحسوبية والواسطة عند توظيف الأقارب والمعارف في ظل عدم الاستحقاق والأهلية، وهذا وبلا شك ساهم ويسهم في انتشار هذا النوع من الفساد بصوره مؤسسية بعيداً عن الأنظار في مفاصل وأدوات ووسائل ما توفره الأجهزة التقليدية والمستحدثة من فرص اقتصادية وشواغر وظيفية، وهو ما يشكل واقعيا انتهاك صريح لقوانين مكافحة الفساد، ويتنافى مع ما استهل به هذا العهد المبارك من قرارات وإجراءات وحملة ميمونة وغير مسبوقة لمكافحة الفساد بكافة أشكاله وأنماطه ومحاسبة متعاطيه كائنا من كان والقضاء على البيئة المحفزة له.
الفساد أجمالاً، الظاهر والخفي منه، هو أحد أهم معوقات مسيرة التنمية التي يسير في الاتجاه المعاكس لما تضعه قيادتنا الرشيدة -أعزها الله- من خطط وتبذله من جهود إصلاحية وبرامج تطويرية ويؤدي إلى خلق تنمية هشه واقتصاد ضعيف، ومدعاة لخلق حالة من الإحساس والشعور بالإقصاء والتهميش لعدم تأطير عدالة توزيع الفرص بين المواطنين، نتيجة استغلال النافذين والمتنفذين لضوابط المساواة ومقومات الموضوعية، وتقويض مبادئ التنافس الشريف وعدالة الاستحقاق والكفاءة المهنية والأهلية الوظيفية بتقديم منفعة الأقارب وخدمة المعارف نتيجة تغليب الواسطة والمحاباة والمحسوبية المستترة بعيداً عن أعين الأجهزة الرقابية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال