الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يُصادف الثاني عشر من أغسطس من كل عام “اليوم الدولي للشباب”، وهي مناسبة عالمية تهدف إلى التأكيد على مكانة الشباب كمحرّك رئيسي لبناء المجتمعات وتحقيق أهداف التنمية المستدامة. وفي المملكة العربية السعودية، نمضي بخطى ثابتة نحو تحقيق مستهدفات رؤية 2030، حيث يُعدّ الشباب الركيزة الأساسية لهذا التحوّل الوطني.
إن الحديث عن الشباب لم يعد مقتصرًا على التحديات، بل بات يشمل طموحاتهم المتنامية، وأدوارهم القيادية، ومشاركتهم الفاعلة في تنمية وطنهم ومجتمعاتهم.
ورغم النجاحات المتواصلة التي يحقّقها الشباب السعودي في مختلف المجالات، لا تزال بعض الصور النمطية السلبية حاضرة في الخطاب المجتمعي، لا سيّما داخل الأوساط الأسرية. فكم مرة وُصف الشباب بأنهم “جيل غير مبالٍ”، أو “منشغل بالسهر والاستراحات”، أو “مدمن لوسائل التواصل”؟ بل ويُلصق بهم المثل الشعبي: “أكل ومرعى وقلة صنعة”.
هذه التصورات، رغم أنها قد تستند إلى حالات فردية، إلا أنها تغفل التحولات الكبيرة التي طرأت على وعي الشباب ومشاركتهم في المشهد المحلي والدولي.
وفي المقابل، تكشف الإحصاءات الرسمية عن صورة مختلفة تمامًا؛ فمثلا تشير البيانات إلى أن أكثر من 70% من مؤسسي المنشآت الصغيرة والمتوسطة هم من فئة الشباب. كما تُظهر المنصات الرسمية للعمل التطوعي ارتفاعًا ملحوظًا في مشاركة الشباب في العمل المجتمعي. وفي عالم ريادة الأعمال والمحتوى الرقمي، يسجل الشباب السعودي حضورًا فاعلًا ومؤثرًا، سواء في إنتاج محتوى توعوي هادف، أو في التمثيل المشرف للمملكة في المؤتمرات والمحافل الدولية.
وفي جانب آخر، نلاحظ أن قضايا الشباب تُختزل في أغلب الأحيان في محورين فقط: رفع المهارات وتوفير فرص العمل. ورغم أهمية هذين المحورين، فإن هذه النظرة لا تعكس الصورة الكاملة لاحتياجات الشباب.
فالشباب بحاجة أيضًا إلى الشعور بالانتماء، والمشاركة في صنع القرار، والحصول على منصات مفتوحة للإبداع، والدعم النفسي، وتحقيق العدالة في توزيع الفرص. ومن الضروري تسليط الضوء على النماذج الشبابية الناجحة، وأن تتضمن السياسات الوطنية مختلف هذه الاحتياجات.
وهنا يبرز سؤال جوهري: ما الدور الذي نريده للشباب؟ هل نريدهم في خانة “المستفيدين” أم ضمن فئة “الصنّاع”؟
غالبًا ما يُنظر إلى الشباب على أنهم فئة “مستفيدة” من الخطط والبرامج، وهذا في حد ذاته تصوّر قاصر. فالشباب ليسوا فقط مستفيدين من التنمية، بل هم شركاء في صناعتها، وفاعلون في رسم معالمها، سواء من خلال ريادة الأعمال، أو الابتكار المجتمعي، أو المساهمة في صياغة السياسات العامة التي تمس واقعهم.
المطلوب اليوم هو تحقيق التوازن بين الدورين، والمضي نحو مأسسة دور الشباب عبر إنشاء مجالس شبابية استشارية في الوزارات والهيئات المعنية بقضاياهم، مثل: وزارة الرياضة، ووزارة التعليم، ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، ووزارة السياحة، ووزارة الثقافة. كما ينبغي إشراكهم في لجان السياسات، ودعمهم بالتدريب والتأهيل القيادي.
كما لا يمكن إنكار التفاوت المكاني بين شباب المدن وشباب المناطق الطرفية؛ فشباب المدن الكبرى يتمتعون بفرص أوسع، لكنهم في الوقت ذاته يواجهون ضغوط الحياة الحضرية وتحديات المنافسة العالية. في المقابل، يعاني شباب المناطق الصغيرة من محدودية الفرص، رغم ما تزخر به مناطقهم من تراث وإمكانات غير مستثمرة.
ولردم هذه الفجوة، ينبغي العمل على تحليل وتقييم الاحتياج التنموي استنادًا إلى بيانات واقعية، واستثمار الجامعات ومراكز التنمية المنتشرة في المناطق، وتصميم خرائط حرارية تُبرز توزيع الفرص والاحتياجات، مع تتبّعها ضمن مؤشرات واضحة.
الشباب هم المورد الأغلى والعنصر الاساسي في دفع عجلة التنمية وصناعة التغيير. فالشباب لا يُمثّلون فقط النسبة الأكبر من المجتمع، بل يشكلون طاقته المتجددة، وعماده الذي يستند عليه مستقبل المملكة في شتى المجالات.
إن الاستثمار فيهم ضرورة وطنية. وتكمن قوة هذا الاستثمار في التكامل بين السياسات، والمبادرات الخاصة، والجهود المجتمعية. فحين نُمكّن شبابنا، نُعزز استقرارنا، ونضمن مستقبلًا زاهرًا للأجيال القادمة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال