الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في الآونة الأخيرة، أصبح الذكاء الاصطناعي محور الحديث في المجالس، والمقالات، وحتى منابر المساجد. ففي خطبة الجمعة الماضية في مسجد حينا، تناول الخطيب هذا الموضوع محذرًا من الاعتماد الكامل على الفتاوى التي تُستخرج من أدوات الذكاء الاصطناعي، داعيًا إلى استخدامه بعقلانية وتمييز.
لكن هذا النقاش لم يبقَ محصورًا في الجانب الديني أو الاجتماعي، بل امتد بقوة إلى بيئات العمل. لم يعد الذكاء البشري وحده كافيًا، فالمعادلة تغيّرت، لم تعد القيمة في امتلاك الذكاء، بل في نوعه، وكيفية استغلاله.
ومن هنا برز مفهوم جديد في عالم القيادة الحديثة: أملك الجرأة على أن أسميه الذكاء الموازي.
هو ليس ذكاءً اصطناعيًا بالكامل، ولا بشريًا خالصًا، بل تآلف دقيق بين تحليلات الآلة وحدس الإنسان.
إنه شراكة صامتة تعيد تشكيل صورة القائد الفعّال، وتجعل من القرارات أكثر وعيًا واتزانًا.
الذكاء الموازي ليس استبدالًا، بل تكاملاً، تمامًا كما يستخدم القائد عينه اليمنى لرؤية الطريق، ويستخدم اليسرى لتجنّب المخاطر، فإن الذكاء الموازي يتيح له أن يرى من منظورين في اللحظة ذاتها: تحليل دقيق من الذكاء الاصطناعي، وحدس مرن من التجربة البشرية.
في أحد القطاعات الصناعية السعودية، طُبّقت أداة ذكاء اصطناعي لتحليل بيانات الرضا الوظيفي، الأرقام قالت إن الوضع “جيد”، لكن القائد الذي يتمتع بالذكاء الموازي قرأ ما يكمن خلف الأرقام، تكرار عبارات مثل “نحاول التأقلم” أو “نُنفّذ المطلوب” دلّت على ضعف الحماس، كانت الأرقام تبتسم، لكن الواقع كان يتألم. ذلك القائد لم يُسلّم بالواجهة الرقمية، بل سأل وسمع وتأمّل. فصنع قرارًا لا تراه الخوارزميات وحدها.
كانت لي تجربة شخصية مع الذكاء الاصطناعي في أحد المشاريع مؤخراً، حيث كان الاعتماد عليه ضمن فريق العمل كبيراً. لكننا لم نتعامل معه كأداة تنفّذ دون وعي، بل أدركنا أنه مهما بلغت قدراته، فإنه يظل بحاجة إلى عقل بشري يُفسّر ويوجّه. فجمعنا بين قوّته التحليلية وحدسنا المهني، وكانت النتيجة مبهرة — بمزيج من التقنية والفكر أنتجنا حلولًا لم نكن لنصل إليها بأحدهما بدون الآخر.
يقول ساتيا ناديلا، الرئيس التنفيذي لمايكروسوفت:
“القادة الذين لا يطوّرون الذكاء الاصطناعي، سيتعيّن عليهم أن يعملوا تحت أولئك الذين يفعلون.”
لكن العبارة الأهم اليوم ربما هي: القادة الذين لا يتعلّمون كيف يفكّرون مع الآلة، وليس فقط بها، سيبقون في مؤخرة السباق.
في النهاية، الذكاء الموازي ليس “تقنية” بل سلوك قيادي جديد، يحتاج إلى تواضع معرفي، وتحرر من النرجسية المعرفية، وفضول مستمر، وثقة بأن القائد الحقيقي ليس من يعرف كل الإجابات، بل من يعرف متى يسأل… ومن يسأل وكيف يسأل.
فالقائد الذي يفكر بعقلَين – أحدهما رقمي، والآخر إنساني – لا يُصبح مترددًا، بل أكثر وضوحًا واتزانًا.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال