الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لا شك أن المملكة العربية السعودية قدّمت خلال السنوات الأخيرة نموذجًا متقدماً جداً في ترسيخ مبادئ الاستدامة ضمن المنظومة الاقتصادية والتنظيمية، سواء عبر التشريعات البيئية الحديثة، أو من خلال التحول الرقمي واسع النطاق الذي يسير ضمن أهداف رؤية 2030. ومع هذا التقدم، تبرز الحاجة الملحّة إلى تحويل “الاستدامة” من مجرد هدف استراتيجي إلى مبدأ تشريعي أصيل -يراع مصالح الأجيال القادمة؛ هذه الأجيال التي قد تكون لم تولد بعد وليس لها صوت حالي- حيث ينعكس على صياغة الأنظمة ويُؤخذ بعين الاعتبار عند تقييم السياسات العامة. فالعدالة حين تُصاغ بمنظور طويل الأمد، فإنها تسهم بشكل مباشر في خلق بيئة اقتصادية أكثر استقراراً، وتمنح السوق قدراً أعلى من الثقة والتوازن.
كما أن إدماج مفهوم “الحقوق المستدامة” في المنظومة التشريعية لا يُنظر إليه بوصفه إضافة شكلية، بل كأداة عملية لتقليل الكلفة المستقبلية للقرارات النظامية والتنموية. فتقييم الأثر المستقبلي طويل الأجل – سواء كان اقتصادياً أو بيئياً أو تقنياً – يُعد خطوة احترازية مهمة تسهم في الحد من المخاطر المؤجلة، وتُوفر على الموازنات العامة أعباء محتملة قد تنتج عن قرارات قصيرة النظر. وإن توجّهاً كهذا يضمن أن الأنظمة لا تستجيب فقط للحاجات الآنية، بل تراعي أيضاً مصلحة الأجيال القادمة، وتُبقي الموارد والفرص في حالة توازن عادل بين الحاضر والمستقبل.
لذلك، فإن من المقترح أن يُدرج مبدأ “العدالة العابرة للأجيال” ضمن فلسفة التقنين، بحيث يُعاد النظر في بناء بعض الأنظمة المؤثرة – مثل المالية أو البيئية أو الرقمية – لتشمل في مضامينها التزامات واضحة تجاه الاستدامة. ويمكن دعم هذا التوجّه من خلال تفعيل أدوات رقابية مستقلة تُعنى بقياس الأثر طويل المدى للتشريعات على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وتحديد المؤشرات التي تضمن أن أثر القرار لن ينعكس سلبياً على بنية الاقتصاد أو البيئة أو النظام العدلي في المستقبل. فوجود مرجعية تنظيمية تتابع هذا الأثر يشكّل نوعاً من الحماية المسبقة للأنظمة الوطنية بجميع أنواعها سواء اقتصادية أو اجتماعية أو بيئية أو حتى تقنية وغيرها.
ختاماً، إن ترسيخ مبدأ الحقوق المستدامة في البيئة التشريعية ليس خياراً تنظيمياً فقط، بل هو رؤية اقتصادية ناضجة تدرك أن الاستقرار لا يُبنى على نتائج فورية، بل على قدرة النظام على حماية مصالح الفرد والمجتمع على المدى البعيد. وعندما يصبح السؤال الأساسي عند إقرار أي تنظيم هو: “هل يترك أثراً إيجابياً على الأجيال القادمة؟” فإننا نكون قد انتقلنا فعلياً إلى مرحلة التشريع المستدام، الذي يوازن بين العوائد الحالية، والعدالة المتجددة. وعندما نشرع اليوم لمن لا يملكون صوتاً؛ فإننا لا نحفظ حقوقهم فقط، بل نحفظ كرامتنا.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال